نزار عبد الستار
تتفاخر الدول بمنجزات شعوبها في مضامير العلم والفن والابداع وتعمد الى ابراز مساهماتها الحضارية وجعلها شاخصة ومتاحة ومعلمة بالانبهار لذلك هي تستثمر كل طاقة مميزة تولد على ربوعها وتعمل على ان تنال التقدير والتكريم والاعتراف الجمعي وصولا الى التفاخر بها.
هنا، في بلدنا، الدولة تعتقد ان دورها يكمن في ان تقوم بدفع فاتورة العلاج لهذا الفنان او ذاك الاديب والكارثة الكبرى ان الفنانين فقط والادباء هم الذين تتكرم عليهم الدولة لتشملهم بسخائها العلاجي والامر لا يحتاج الى توضيح الا انه يثير الاسى والاوجاع فمن غير المقبول ان يقتصر التعامل بين الدولة والفرد المميز على الصيغة التكفينية كاجراء ما قبل الموت. ان الدولة ملزمة بالمحافظة على المنجز الحضاري العراقي في الميادين كافة والاعلاء من شأنه ليبقى في ذاكرة الاجيال اسوة بالبلدان المتحضرة التي تحترم انسانها وتعلي من شأنه.
من الواجب ان تكون لدينا معاهد بحث وتخليد للكثيرين من العظماء الذين ولدوا على تراب هذا الوطن واعطوا عصارة فكرهم للبلد. ان هذا الواجب يجب ان ينطلق من حقيقة ان اي انجاز فكري هو مكسب عظيم لن يتكرر وهكذا فاننا نخاطب العالم بعظمائنا وليس بتاريخ حروبنا وغزواتنا. نضع امام العالم صورة مشرقة من الجهد الانساني الخلاق الذي يكافح من اجل حياة افضل ومن اجل الجمال والنور. لايجوز ان تتغلب الاعتبارات الضحلة على ركائز الاعجاز البشري ولا يجوز ان ندمر منجزنا وفق قراءة سياسية او دينية فهذا الامر يلغي تاريخنا ويمسح الشمس من سمائنا ويجعلنا نغرق بالظلام.
لقد اعطى العراقيون الكثير من الانجازات للبشرية ومن غير المعقول ان نعقد ارحام العلم والفن ونوجه انظارنا الى اشياء زائلة لا قيمة لها. ان القرن الاخير من عمر العراق زاخر بالعلامات المضيئة في الميادين كافة وهو امر في متناول اليد لذلك لابد ان تنتبه الدولة له وتحافظ عليه وتعمل على ابراز تفرده وتسليمه الى الاجيال الاتية كي تتعمق في معناه وتتفاخر به.
ان العالم يحسدنا على السياب والجواهري والوردي وغائب طعمة فرمان وناظم الغزالي وعفيفة اسكندر فلماذا نطمس منجزاتنا ونجعلها تندثر وتتلاشى ويتغشاها النسيان؟. لماذا لا نخلدهم ونصون انجازاتهم ونسلمها الى الاجيال القادمة كي يتحفز العطاء وتشتغل العقول باتجاه الخلق والابداع؟. لماذا نهدر طاقاتنا ونجعلها تندرس ويعلوها الغبار في حين هي وجهنا الحقيقي ومنجزنا الحضاري؟.
ان جعل الثقافة أسلوب معيشة سيكون له عميق الانعكاس على سلوكيات فئات متعددة من المجتمع فهكذا فكرة لا تتجانس مع المثقف بمفهومه التقليدي فقط وإنما مع عموم المجتمع فهي مساحة جمالية عامة للاندماج والتفاعل بين الطابع الثقافي والحياة الاجتماعية اليومية ما ينعكس بالإيجاب على المواطن ويخلق شخصية سوية وشكلا متحضرا للحياة.
نحن بحاجة لاحياء ذكرى العديد من الفنانين والعلماء والادباء لا ان نزدريهم ونقزمهم ونتفضل عليهم بسفرة علاجية او دفع فاتورة المستشفى ومصاريف الغسل والتكفين وحفر القبر.
نشر: احلام جداح












