حاوره: ليث محمد رضا
بغداد/ المركز الخبري لشبكة الإعلام العراقي(IMN) - أوصى المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين بارق شبر، بأن يبدأ إصلاح الاقتصاد العراقي و حل معضلته الريعية، ببناء نظام ضريبي ناجع يبدأ من القطاع النفطي نفسه، لأن إستراتيجية تنويع القاعدة الإنتاجية لا يمكن أن تكون بداية التنمية الاقتصادية، لأنها لن تعطي نتائج سريعة بل قد تحتاج إلى عشرات السنين، مبينا أن البدء برفع كفاءة التحصيل الضريبي من القطاع النفطي، تكون بعد فصل الشركات النفطية المنتجة والمسوقة عن وزارة النفط إداريا وماليا، وإعادة إحياء شركة النفط الوطنية كشركة قابضة تشمل كل شركات الإنتاج والتسويق والتصفية.
وفيما حث البنك المركزي العراقي على ربط الدينار بالدولار الأميركي، بسعر صرف ثابت مع تخفيض قيمة الدينار ولتكن 1500 دينار، مؤكدا على ضرورة تحمل بعض الآثار السلبية لهذا الانخفاض.
دعا شبر في مقابلة مع المركز الخبري، للحوار بين المركزي والقطاع الخاص، لاسيما التجار، للاتفاق على خطة طوارئ وطنية لمواجهة انخفاض عائدات النفط بوضع معايير لتدقيق طلبات الاستيراد وتحديدها بحسب الضرورة والأهمية، وإقناعهم بالضرورة الوطنية لتخفيض قيمة الدينار العراقي، لأنهم يمتلكون لوبي مؤثر يرفض تخفيض العملة”، مطالبا البنك المركزي باستئناف نشر بيانات الطلب على الدولار ومقدار تلبيتها، مهما تكن الآلية المعمول بها، لأن توقف المركزي عن نشر بيانات مزاد العملة أربكنا كمحللين وقلل الشفافية.
وقال لـ(IMN)، إن “عقليات الكثير من السياسيين وأصحاب القرار وحتى بعض الاقتصاديين ما تزال متشبثة بمفاهيم الاقتصاد الموجه، وسبق أن حذرنا من تقييد المعروض من العملة الأجنبية، وقلنا أن هذا التقييد سيشجع السوق الموازي وهذا ما يحصل اليوم إذ هناك سعران للعملة الأجنبية في السوق”، مستدركا بأنه “يمكن قبول هذا الإجراء على المدى القريب، لكن على المدى البعيد ينبغي أن يكون لدينا قاعدة مادية متينة لتحمل الصدمات الخارجية”.
وتابع شبر، وهو مستشار دولي، أن “ربط الدينار بالدولار وتثبيت سعر الصرف، سيسحب البساط من تحت أقدام مضاربي العملة الذين يحققون أرباحا فاحشة على حساب الاقتصاد العراقي”.
وأضاف أن “أولى مزايا خفض قيمة العملة ستكون تحفيز قطاع الزراعة، لأنها ستجعل السلع المستوردة أغلى من المنتج المحلي، وهذا يشجع الفلاحين على تحريك الاقتصاد الزراعي، بينما مازالت البنية التحتية للقطاع الصناعي ضعيفة وتحتاج إلى زمن طويل للتحفيز، والمردود الإيجابي السريع سوف يأتي من القطاع الزراعي”.
وتابع شبر “أختلف مع زملائي الخبراء الذين يركزون على ضرورة رفع الرسوم الكمركية كأداة لحماية الصناعة المحلية، متناسين أننا لا نمتلك بنية تحتية لتحريك الصناعة، كما أن جهاز جباية الكمارك ضعيف جدا باعتراف مسؤوليه”، موصيا بـ”حزمة محدودة لفرض الرسوم على استيراد الصناعات المهمة في العراق مثل السمنت الذي يستحق حماية مؤقتة”.
وذكر أنه “علينا أن نسأل لماذا يهرب الاستثمار الوطني؟ قبل أن نبحث في جذب الاستثمار الأجنبي، ملاحظين أن كلف الإنتاج في الصناعة العراقية مرتفعة جدا، والمستثمر لديه خيارات ومغريات في دول أخرى”، مشيرا إلى أن “25% من الاستثمار في الصناعة الأردنية هو لمستثمرين عراقيين، وأن قيمة الاستثمارات العراقية في الأردن بلغت 37 مليار دولار”.
وزاد شبر بأن “الاقتصاديين الدوليين يتحدثون عن الصدمة الخارجية منذ عقود، وشبكة الاقتصاديين حذرت من حصولها بانخفاض أسعار النفط ببحث للخبير علي ميرزا نشر في كانون الثاني 2012، لكن المسؤولين يتحدثون الآن عن أنها خارج إرادتهم وإنهم فوجئوا، وتحليلي لدهشتهم هذه هو أنهم لم يهتموا في السنوات الماضية بالاقتصاد ولم يصغوا لنصائح الكفاءات الاقتصادية، ولم يعدوا العدة للظروف الاستثنائية ولم يستغلوا الوفرة بأسعار النفط”، لافتا إلى أن “هناك تدابير مهمة يمكن اتخاذها استعدادا لانخفاض إيرادات النفط، فالنرويج مثلا دولة نفطية ولديها صندوق للتوازن، موجوداته وصلت إلى قرابة ترليون دولار وكذلك دول الخليج النفطية”.
وفي رده على سؤال بخصوص السياسة المالية العامة، قال المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين، إن “أزمة السياسية المالية العراقية هي أزمة الدولة الريعية في عصر العولمة، تشتري ولاء المواطنين بتوظيفه، وتعتمد على الإيرادات النفطية التي لم تستقر منذ نحو 40 عاما، فالإفراط في الإنفاق وغياب الرؤية الإستراتيجية للمالية العامة، ضاعف من تأثير الصدمة الخارجية المتمثلة بانهيار أسعار النفط”.
وتحدث شبر عن مقترح شركة النفط الوطنية، قائلا إنها “تكون مساهمة في المرحلة الأولى وأسهمها بملك الدولة العراقية في المرحلة الأولى ولتساهم بعض الوزارات فيها، ثم يبدأ بيع الأسهم بعد ذلك على فئات بموجب دراسة اجتماعية محكمة تضمن تحقيق التوافق الوطني والعدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي الذي سيعتمد على طريقة التوزيع”.
وأضاف أن “المساهمين بهذه الشركة سيدفعون ضرائب تصل إلى 75%، ومع هذا سنجد أصحاب رؤوس الأموال بدلا من أن يتصارعون على استنزاف كعكة الريع النفطي فإنهم سيصبحون متضامنين وحريصين على تطوير القطاع النفطي و تراكم هذه الثروة”، مشيرا إلى أن “أغلب الدول النفطية توجد فيها شركات نفط وطنية عاملة عبر الحدود بما فيها جمهورية أنغولا”.
وتابع أن “وجود شركة النفط الوطنية سيشجع قيام صناعات نفطية أمامية مثل البتروكيمياويات وصناعات البلاستك والأسمدة وبقية الصناعات التي ستسهم بنهضة القطاع الزراعي”.
وبخصوص معالجة أزمة الكهرباء، قال شبر إن “الكثير من الدول سبقتنا قبل 30 عاما في تطوير قطاع الكهرباء، وأنا شخصيا ساهمت في دراسة إعادة هيكلة قطاع الكهرباء في الأرجنتين وفي الأردن حين كنت أدير مشروع ترشيد استهلاك الكهرباء ضمن مؤسسة التعاون الفني الألماني”، موضحا أن “إصلاح قطاع الكهرباء ينبغي أن يبدأ بفصل الإنتاج عن النقل والتوزيع بمعنى إعادة هيكلة قطاع الكهرباء وإيكال الإنتاج لشركات استثمارية بجانب الشركات العامة ، لتبقى وزارة الكهرباء منظمة ومشرفة على قطاع الكهرباء، تشتري من المنتج الخاص وتبيع للموزعين وهم يبيعون ويجبون بسعر محدد من قبل الوزارة”.
وأضاف أن “النقل يوكل لشركة عامة حكومية غير رابحة تؤسس ويرجح أن تسدد تكاليفها، بينما يترك التوزيع لشركات من القطاع الخاص، وأنا أرى أن أصحاب المولدات اكتسبوا خبرة في جباية الأموال بل نجحوا أكثر من الدولة في هذه المهمة وينبغي دمجهم في هذه الشركات على مستوى المناطق وفي الأحياء السكنية”.
وتطرق شبر إلى أن “إستراتيجية الحكومة لتنشيط القطاع الخاص بادرة جيدة تدعو للتفاؤل، لأنها هذه المرة بمشاركة خبراء من القطاع الخاص، وشبكة الاقتصاديين العراقيين مستعدة لدعم هذه المبادرة بالمقترحات والملاحظات”.
ولفت شبر إلى أن “خبراء الشبكة هم اقتصاديون من الطراز الأول بشهادة المنظمات الدولية التي عملوا فيها وجمعوا خبرات هائلة وساهموا في بناء اقتصاد دول أخرى، وأحد أهداف شبكتنا هو حشد الكفاءات الاقتصادية، وصهرها في عمليات بناء العراق، فضلا عن نشر الثقافة الاقتصادية على مستوى السياسيين وعلى مستوى المواطنين، والهدف الثالث هو تكوين لوبي اقتصادي يضغط على أصحاب القرار الاقتصادي السياسي ليعطوا الأهمية الكافية لعملية التنمية الاقتصادية ويعطونها الأولوية على المصالح السياسية الفئوية، وقد نجحنا بخلق رأي عام عراقي لصالح القضايا الأساسية في الاقتصاد”.
وتابع شبر “ساهمنا في مناقشات مشكلة البنك المركزي وقضية استقرار العملة الوطنية، وقدمنا أبحاثا مهمة، وشاركنا في مناقشات الموازنات العامة لعدة سنوات مالية وقدمنا مقترحات، كما شاركنا في تقييم خطة التنمية الوطنية 2013- 2017 وقدمنا مشورة لنائب رئيس الوزراء بخصوص تلك الوثيقة”.
وذكر أن “الشبكة تعمل حاليا من خلال فريق من خبراء المعلوماتية على إعداد مقترح لتطوير عملية إعداد الموازنة المالية العامة والربط الالكتروني لوزارة المالية بالوزارات الأخرى، ومتابعة التنفيذ بهدف ضبط الإنفاق وتطوير أساليب الإدارة، ونؤكد كخبراء أننا نعرض خدماتنا للمسؤولين مجانا كما أعلنا في مؤتمرنا العلمي الأول الذي انعقد سنة 2013 في بيروت، والشبكة تمول نشاطها ذاتيا بتبرع بعض أعضاءها والعمل كله طوعي من الأعضاء، فمثلا أنا شخصيا كنت أتقاضى أجرا يوميا يصل إلى 800 دولار، حينما كنت أعمل بمنظمات دولية، لكن دافعنا في عمل الشبكة وطني- أخلاقي ونريد أن نسهم في بناء اقتصاد العراق، لأننا نؤمن أن الاقتصاد هو القاعدة المادية لحرية الإنسان وللديمقراطية وللسلم الاجتماعي”.
وأضاف أن “العلاقة الاستشارية مع المسؤولين ما تزال في بداياتها وبعض المسؤولين والمؤسسات طلبوا منا المشورة وبعضهم طلب منا أن نقدم له خطة عمل، وفعلا قدمنا هكذا خطط متكاملة ومقترحات لرفع كفاءة الأداء”.
وتابع “نحن متفائلون بعد تشكيل الحكومة الحالية التي بدا أنها مهتمة بالكفاءات واستبشرنا خيرا بتعيين زميلنا العضو في شبكة الاقتصاديين العراقيين والخبير الاقتصادي مهدي العلاق كمدير لمكتب رئيس الوزراء، وكذلك بتعيين زميلنا المؤسس للشبكة مظهر محمد صالح مستشارا لرئيس الوزراء، فضلا عن استيزار عادل عبد المهدي للنفط وهو عضو في الشبكة، وأكد لنا أنه سيشارك ويدعم المؤتمر العلمي الثاني للشبكة الذي نصبو لعقده ببغداد في خريف هذا العام”.
تصوير: علي هاشم


