الطريق إلى مقبرة الحجر..
القصور الرئاسية استقبلتهم شبان وارجعتهم عظام
كتب: جعفر الونان
بغداد/المركز الخبري لشبكة الإعلام العراقي(IMN)- في الطريق الرابط بين بغداد وقصور المنحر أو القصور الرئاسية الذي قُتل فيه المئات من شباب سبايكر، عبارة في غاية الأهمية تقول أن الحشد الشعبي “صُنع في العراق”، وهي رسالة موجعة للجهات السياسية ووسائل الاعلام التي تسعى إلى تصوير أن قوات الحشد الشعبي فوق الدولة لا تحتها وهي مرتبطة بدول الجوار لا بالعراق.
يشعر الشباب في الحشد الشعبي والقوات الأمنية المرابطين على طول الطريق بين بغداد وتكريت (160 كم) بالسعادة بالقوافل القادمة من بغداد والمحافظات الجنوبية التي تحمل اعانات ومساعدات، يظهر ذلك بوضوح من خلال كلمات الترحيب والاهازيج التي تؤكد العزم على مواصلة الحرب ضد عصابات داعش الارهابية واستكمال تحرير المدن من هذه المجاميع المتطرفة.
قبل الوصول إلى السيطرة الرئيسة لمدينة سامراء هناك رجل مفتول العضلات ، بلحية طويلة ، يتحدث بلغة جنوبية مملوحة بـ”الكوميديا ” يدعى ابراهيم طاهر ويلقب بـ”ابو مجتبى الناصري(47 عاما) وهو من أهالي قضاء الرفاعي التابع لمحافظة ذي قار (400كم) جنوب بغداد يقول إن”الحرب مع داعش طويلة لكنها ليست صعبة، لان من ينتمي إلى هذا العصابات ليس بمقدوره أن يواجه القوات الأمنية والحشد الشعبي، لاسيما بعد دخول خطط جديدة لمواجهة هذه الجماعات”.
كتبت عصابات داعش الارهابية على عدد من المحال التجارية الواقعة على اطراف الطريق الرابط بين سامراء وتكريت شعارات طائفية تؤكد على قتل كل من الشيعة والكرد والسنة المعارضين لنشاطها والشبك والمنتسبين للجيش العراقي.
ومشهد البيوت المفخخة واثار العبوات الناسفة على الطريق نفسه ليس غريبا على الفصائل المسلحة التي تنتمي الى الحشد الشعبي والتي اتفقت قيادتها على توزيع مهام المسؤولية في صلاح الدين ومسك الارض بعد أن تعالج القنابل والالغام التي زُرعت في مناطق ليست بقليلة.
تبنت عصابات داعش الارهابية شعارا منتشرا على اغلب المواقع التي سيطرت عليها بعد احداث حزيران الماضي الشعار الذي يقول ” أما معنا أو ضدنا “، استبدلتها القوات الأمنية والحشد الشعبي بعبارة أكثر قـوة من” حاربنا حارَ بنا ” ترافق تلك العبارة صورا منتشرة لشهداء غالبيتهم من الشباب الذي استشهدوا بعد تشكيل الحشد الشعبي على اثر فتوى المرجعية الدينية في النجف الأشرف في 13 حزيران الماضي بعد ثلاثة ايام من استيلاء العصابات الداعشية على الموصل.
وعلى طوال الطريق المؤدي إلى القصور الرئاسية أو التي ينعتها ابناء الحشد الشعبي بــ”قصور سبايكر” تنتشر سيارات محروقة تعود لعصابات داعش الارهابية حُرقت في عملية لبيك يارسول الله التي انطلقت في 1اذار /مارس الماضي لتحرير محافظة صلاح الدين .
يتحدث محمد علي الجابري(36عاما) أحد القيادات المسؤولة عن حماية الطريق بين سامراء وتكريت ” هذه السيارات اغلبها تعود لعوائل نُزحت من تكريت واغتنمتها عصابات داعش الارهابية وجزء كبير منها فُخخت”
ويكمل الجابري” لقد كانت ايام صعبة لكن صعوبتها وقساوتها راحت مجرد ما وصلنا إلى منحر شباب سبايكر في القصور الرئاسية يومها لم تجف عيوننا من الدمع “.
“قصر المنحر” هو احد القصور الكبيرة التي تقع على نهر دجلة وشهد عملية قتل غالبة ضحايا سبايكر، القصر ذو الباحات الكبيرة وشح بالسواد والإعلام والدعوات للثأر من مجرمي سبايكر وعليه حراسة مشددة.
القصر الحزين بات الملاذ الوحيد لابناء الحشد الشعبي واهالي الشهداء لتفريغ الاحزان وصب الدموع على المنحر فلم يعد مكان المنحر في القصر مكانا عابرا لدى الحشد الشعبي وذوي شهداء سبايكر بل تحول إلى مرقدٍ مقدس لايمكن الاستغناء عنه.
يقول القيادي في الحشد الشعبي عباس علي نعمة “تحول القصر إلى مرقد مقدس مرقد بلا قبور معادلة صعبة وقاسية، فامهات شباب سبايكر وزوجاتهم وعوائلهم غيروا وجهة قدمهم من النجف إلى تكريت للوقوف على اطلال الدم”.
ويوضح ” لم تأخذ مجزرة سبايكر بعدها الدولي والاقليمي لان هناك من صم اذنيه وعينه وانشغل بـ(الثلاجة) والادعاء ان الحشد الشعبي سرق الممتلكات”.
ويتساءل ” لا اعلم عن اي ممتلكات يتحدثون وكيف لاشخاص هجروا عوائلهم طالبين اما الشهادة او النصر أن ينشغلوا بسرقة الثلاجات”.
وتابع ” يتهموننا اننا حرقنا البيوت نعم حرقنا البيوت التي كان كل شيء فيها مُلغم”.
ويشير إلى أن ” ذوي شهداء سبايكر يأتون إلى المنحر للبكاء واشعال الشموع واستذكار ابنائهم الذين فقدوهم إلى الابد”.
خمسمئة متر فقط هي المسافة بين قصر المنحر والمقبرة الجماعية الحجرية التي احتضنت 80 جثة من شهداء سبايكر وهي قريبة ايضا على نهر دجلة، الرفات التي كانت موضوعة بـ”اكياس سوداء “، كتب عليها تسلسلها ويوم اخراجها.
يتألف الفريق المشرف على اخراج الرفات من المقبرة الجماعية الحجرية من وزارت حقوق الانسان والصحة والبيئة والامانة العامة لمجلس الوزراء يسعى جاهدا إلى البحث عن باقي مقابر ضحايا سبايكر واثناء افتتاح المقبرة الحجرية قال وزير حقوق الانسان محمد البياتي الذي حضر مراسيم الافتتاح إن ” هذه المقبرة تحتوي على 80 جثة دفنوا جميعهم بالصخر والحجر ” لافتا إلى أن “هناك أكثر من عشر مقابر جماعية تضم رفات شهداء سبايكر ونسعى إلى اكتشاف المزيد من المقابر”.
يقول الشاعر حسين القاصد وهو يحتضن احدى الرفات إن ” هولاء الذين دفنوا هنا هم فلذات اكبادنا اخوتنا وابنائنا قتلوا بحقد الطائفية اللعين، من قتلهم عليه ان لايدعي الشجاعة لانهم عزل بلا سلاح وقد امنوا به “.
وأشار إلى أن” العراقيين لن ينسوا هذه المجرزة الانسانية وسيذكرونها على مر الاجيال”.
وقد شكل البرلمان العراقي لجنة للتحقيق بـ”جريمة سبايكر ” في تشرين الاول الماضي الا ان هذه اللجنة تأخرت عن اعلان النتائج النهائية واكتفت في اشارات غير واضحة عن المقصرين في إدارة ملف شباب سبايكر والسماح للجماعات الارهابية باسرهم ومن ثم قتلهم.
اللجنة التي يرأسها النائب عن اتحاد القوى حامد المطلك الذي اتهمه النائب مشعان الجبوري في 30 اذار الماضي بـ”التلكؤ ” في إدارة هذه اللجنة ومحاولة غمس الحقائق لـ”اسباب سياسية ” اكتفى بـالرد على ذلك الاتهام أنه يعمل مما يمليه عليه ضميره والحقائق على الأرض.
ولم تتسع اشارات اللجنة التحقيقة التي تعد من اكبر اللجان اذ تجاوز عدد اعضائها 17 عضوا من مختلف الكتل السياسية ذكر المزيد من الحقائق مكتفية بالقول عبر اعضائها إن هناك إهمالاً وتقصيراً وسوء إدارة من قبل الوحدات العسكرية من دون اعلان نتائج دقيقة .
ويسعى العراق إلى تدويل جريمة سبايكر عبر وزارتي حقوق الانسان والخارجية الا أنها لم تتقدم خطوات ملموسة حتى الان بهذا الاتجاه.
تصوير : علي الغرباوي



