- التفاصيل
-
المجموعة: رأي
-
نشر بتاريخ الإثنين, 10 آذار/مارس 2014 11:43
-
الزيارات: 1018
محمد عبدالجبار الشبوط
في إحدى نشرات "الدعوة" القديمة كنا نقرأ تفسير قوله تعالى:"خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ". (سورة الاعراف 199). وكنا نعتبر هذه الآية وما جاء في تفسيرها في نشرة الدعوة خارطة طريق للتعامل مع الناس، فهذه الآية من جوامع حكم القرآن الكريم.
وكما يقول الشيخ محمد الفاضل بن عاشور (1970-1909م) فقد "جمعتْ هذه الآية مكارم الأخلاق لأن فضائِل الأخلاق لا تعدو أن تكون عفواً عن اعتداء فتدخل في (خذ العفو)، أو إغضاءً عما لا يلائم فتدخل في (وأعرض عن الجاهلين)، أو فعلَ خير واتساماً بفضيلة فتدخل في (وأمر بالعرف) وهذا معنى قول جعفر بن محمد: «في هذه الآية أمر الله نبيه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها وهي صالحة لأن يبين بعضها بعضاً، فإن الأمر يأخذ العفو يتقيد بوجوب الأمر بالعرف، وذلك في كل ما لا يقبل العفو والمسامَحة من الحقوق، وكذلك الأمر بالعرف يتقيد بأخذ العفو وذلك بأن يدعو الناس إلى الخير بلين ورفق".
ويقول ابن كثير(ت 774 هـ) في تفسيره انه لما أنزل الله ، عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما هذا يا جبريل ؟" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.
وعن الإمام أحمد بسنده عن عقبة بن عامر انه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فابتدأته، فأخذت بيده، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: "يا عقبة، صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك".
ويقول ابن عاشور ان معنى "خذ العفو": عَامِل به واجْعله وصفاً ولا تتلبس بضده، والعفو الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذَنبه.
وقد ورد هذا المعنى في اكثر من آية قرآنية مثل قوله تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون؟ قل العفو."وقوله: "فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره".
وقد عمت الآية صور العفو كلها، كما يقول ابن عاشور، لأن التعريف في "العفو" تعريف الجنس فهو مفيد للاستغراق إذا لم يصلح غيرُه من معنى الحقيقة والعهد ، فأمر الرسول بأن يعفو ويصفح وذلك بعدم المؤاخذة بجفائهم وسوء خلقهم ، فلا يعاقبهم ولا يقابلهم بمثل صنيعهم.
والآية غير منسوخة، قال ابن عاشور: ومن قال إن هذه الآية نسختها آيات القتال فقد وهم : لأن العفو باب آخر ، وأما القتال فله أسبابه ولعله أراد من النسخ ما يشمل معنى البيان أو التخصيص في اصطلاح أصول الفقه.
هذه عينة من مفاهيم الإسلام الأول،قبل أن يشوه الناس معالمه وقيمه وأفكاره. والآية كما اتضح تعالج إحدى مشكلات البشر، فبني آدم يدخلون في نزاعات وصراعات وتنافسات فيما بينهم على المال والجاه والسلطة وغير ذلك، وهم في مجرى صراعاتهم هذه يؤذي بعضهم بعضا، الأمر الذي يولد شعورا بحب الانتقام لو ترك على ما هو عليه. وفي هذه الحالة لا يمكن ان تستقيم الحياة الانسانية وتتحول الى جحيم اجتماعي يذكرنا بمجتمع توماس هوبز (1588 – 1679) الهمجي حيث الكل يقتل الكل. ولا يمكن علاج هذه الحالة إلا بتطبيق هذه الآية وتفعيل مفاهيم التسامح والعفو وكظم الغيظ ورد الاساءة بالاحسان وغير ذلك. ومن خلال هذا تتم محاصرة مشاعر الانتقام والبغض والكره والحسد والحقد، وإشاعة مشاعر الحب والتعاطف والتعاون والتآلف والتآزر وتقبل الآخرين والرضا بين الناس، وذلك من شروط سعادة البشر.
لذا، أعلن، أنا محمد عبد الجبار الشبوط، العفو عن كل من أساء إليّ من منطلق المحبة والمقدرة والقدرة على التجاوز ونسيان الاساءة والرغبة في إشاعة روح التسامح بين الناس، كل في مكانه ودائرته ومساحة عمله وتأثيره.
... وعفا الله عما سلف!