عبد الحليم الرهيمي
لقد أصبح معروفاً أن من بديهيات السياسات الخارجية للدول هو تشكيل منظمات أو قوى ضغط (لوبيات) في الدول الصديقة لها، أو التي تتعامل معها، للتأثير على قراراتها أو
المواقف التي تتخذها إزاءها وذلك عبر التأثير على صانعي ومؤسسات صنع القرارات أو المواقف فيها خدمة للمصالح الوطنية العليا لبلدها وشعبها، هذا أذا توفر بالطبع، ما تسمح به قوانين وأنظمة البلد المعني وآليات تشكيل هذا
(اللوبي).
مناسبة هذا الكلام هو ما أثير مؤخرا ولا يزال يثار عندنا من حراك وضجة برلمانية وحكومية وإعلامية حول مشروع قرار احدى مؤسسات صنع القرار في واشنطن (الكونغرس) والذي كانت صيغته الأولى تنص على تزويد البيشمركة الكردية والقبائل السنية بالسلاح كدولتين ودون أن يمر عبر الحكومة الاتحادية في بغداد (وقد عدلت هذه الصيغة لاحقاً بحذف كلمة “دولتين”) فبدلاً من التوجه لمعرفة الأسباب أو العوامل التي ساعدت على اتخاذ هذا القرار داخلياً وأميركياً لتعطيل مفعوله والعمل على التراجع عنه، ارتفعت أصوات الرفض والتنديد والإدانة لمشروع القرار وهي ردود فعل مشروعة وضرورية إذا ما شذبت من كلمات التشنج والتهديد والدعوة للقطيعة.
ولم يعد سراً القول، ان المشروع الذي تقدمت به لجنة الدفاع الى الكونغرس بالصيغة التي قدمت به، لم يكن نتيجة مؤامرة دولية – أميركية كبرى لتقسيم العراق نتحدث بها منذ عقود.. وإنما أدرجت هذه الصيغة في المشروع بفعل وجهود قوة ضغط (لوبي) كردي كما أكد ذلك بعض القادة السياسيين الكرد، حيث يعمل هذا اللوبي في واشنطن منذ عقدين ومثله (لوبيات) كردية أخرى في لندن وباريس ودول أوروبية عديدة، وبالطبع فان من حق الكرد كما من حق أي مكون أو جماعة عراقية أخرى أن يشكلوا لوبيات تخدم قضيتهم الخاصة ومصالحهم شريطة أن لا يضر ذلك بالمصالح الوطنية للعراق وشعبه وان لا يشكل مخالفة للدستور
العراقي.
إن تـأثـير وعمــل (اللوبيــات) للدول والجماعات، هو تأثير كبير
الأهمية.
وكما ان الكرد قد استفادوا، ويستفيدون من اللوبيات التي شكلوها في واشنطن وباريس ولندن وغيرها لتحقق لهم الدعم ومختلف أشكال المساعدات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية
(وذلك بصرف النظر عن طبيعة هذا الدعم وتلك المساعدات).
من وجهات نظر أخرى، هم فعلوا ويفعلون ذلك كما تفعل دول الخليج، وكما يفعل اللوبي الإسرائيلي (أيباك) وكما فعلت المعارضة العراقية ذلك عندما استطاع (اللوبي) الذي شكلته بممارسة الضغط في واشنطن لاستصدار الكونغرس الأميركي (قانون تحرير العراق لسنة 1998) الذي بموجبه ساعدت الولايات المتحدة العراق وشعبه للإطاحة بنظام
صدام.
وإذا كان الكـرد قد تمكنوا بـ (شطارتهم) وحراكهم الدبلوماسي النشط في واشنطن وفي غيرها من العواصم المهمة من تشكيل تلك اللوبيات، فإن الدولة العراقية الاتحادية ودبلوماسيتها الخارجية قد عجزت، كما يبدو، عن تشكيل مثل هذه (اللوبيات) في عدد من بلدان العالم المهمة وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية.
لقد حان الوقت لأن تتلافى وتتجاوز الدولة العراقية هذا التقصير، وأن تبادر الحكومة للقيام بذلك والبدء برصد وإحصاء الشخصيات العراقية الوطنية الفاعلة في تلك البلدان لتقدم رؤاها واقتراحاتها لتشكيل مثل هذه اللوبيات وخاصة في واشنطن حيث يرتبط العراق معها باتفاقية الإطار الستراتيجي التي كثيراً ما ينتقد الطرفان العراقي والأميركي عدم تفعيلها منذ
2008.
إن عجز وزارة الخارجية عن القيام بذلك ينبغي أن لا يفت في عضد الحكومة للتصدي لهذه المهمة العاجلة في واشنطن وغيرها من العواصم الأوروبية كي لا يطلع علينا رئيس وزراء هنغاريا مثلاً ليعلن تدخله الفظ والسافر في الشأن السيادي
العراقي؟.

















































