عبد الزهرة زكي
وما نحن إلا طباعٌ تنظّمها عاداتُنا التي نعبر بها عن تلك الطباع والتقاليد.نحن نخلق العادات لتعود هذه العادات لتغيّر في طباعنا وتوجّه تقاليدنا وتنظم عملها.
قبل أن أتعلم وأتورط بالتدخين كنت أكتب وكنت بدأت أنشر. التدخين جاء بعد هذا بسنوات، وإن كانت قليلة، إلا أنه بات جزءاً من عادات الكتابة، وصار شيئا من تقاليدها ومن طبيعة شخصية.
ينتج عن هذه الطبيعة أن الكتابة مستحيلة من دون أن يساعدها التدخين على أن تعمل وأن تنتج.
الذين لا يدخنون لن يكون سهلاً عليهم تصور هذه المتـلازمة.. لكـن الـذين يقفـون باهتمـام وتفـهم لطبائـع الكتابـة والأدب يدركــون ذلك
بيسر.
في كثير من الأحيان يكون هذا التدخين عند الكتابة فعلاً لا شعورياً، لا يتهيأ الكاتب له ولا يتحضر من أجله لكنه في لحظة ما ينتبه إلى أن منفضة سجائره لم تعد بالنظافة التي كانت عليها قبل البدء بالكتابة، فيما ما زالت بقايا سيجارة بين أصابعه ولم يكن قد انتبه لها ولم يتذكر حتى لحظة اشعالها.
هذه هو أسوأ ما تفعله العادات في خلق الطبيعة والتقاليد
الشخصية.
إنها عادات وتقاليد لا تتسلل بالضرورة لتترك أثرها في المكتوب، لكن تعطيلها أو غيابها يربك سبيل بلوغ الكتابة.
ربما نقوى على أن نكتب شيئاً متخلين عن جانب من العادات، التدخين مثلاً، لكن أشياء كثيرة ستضيع من حاصل الكتابة إذا ما جرى بلوغها ولكن بإرادة قسرية تعطل جزءاً من الطبيعة الشخصية للمرء في أثناء الكتابة.
لا نكون أحراراً وفاعلين في كتابتنا ما لم نكن نحن متوفرين على ما يصون طبيعتنا الشخصية، ولن نكون مهيئين (صحياً) ما لم نأت إلى الكتابة بهذه الطبيعة كما هي وليس بتعطيل جانب منها أو تعويقه، مهما كان هذا الجانب سيئاً ومضراً، كما هو حال التدخين فعلاً، وبرغم أنه ليس بهذا السوء في نواحٍ أخرى من ظروف الكتابة التي يترك تغيرها أثراً من خلال سايكولوجية وعادات الكاتب وتقاليده، كتغير المكان لدى بعض الكتاب وتغير القلم لدى آخرين ولون الورقة وشكلها لدى
سواهم.
وواقعاً أنا أكتب الآن تحت وطأة هذه الظروف.
ترددت كثيراً قبل البدء بالكتابة. الكتابة تتطلب مني تدخينا لا ينقطع.
خروجـي مـن غرفـة العمليـات قبـل يومـين كانت ترافقه تهديدات مهذبة من طبيبي بأني سأضيع كل جهوده إن واصلت التدخين بهذه
الطريقة.
أكثر من طبيب كرر هذا الذي أعرفه أكثر منهم جميعاً..
دائماً لا أميل إلى الحلول الانقلابية.
الاقلاع مباشرة مستحيل، سيجارتان في اليوم أو أربع هي خطوة نحو اقلاع أريد بلوغه وأريد لظروفي أن تساعدني في
بلوغه.

















































